سورة الأعلى - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعلى)


        


وفي معنى {سبح} خمسة أقوال.
أحدها: قل سبحان ربي الأعلى، قاله الجمهور.
والثاني: عَظِّم.
والثالث: صَلِّ بأمر ربك، روي القولان عن ابن عباس.
والرابع: نَزِّه ربك عن السوء، قاله الزجاج.
والخامس: نَزِّه اسم ربك وذكرك إياه أن تذكره وأنت معظم له، خاشع له، ذكره الثعلبي.
وفي قوله تعالى: {اسم ربك} قولان:
أحدهما: أن ذكر الاسم صلة، كقول لبَيد بن ربيعة:
إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما *** وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فَقَد اعْتَذَرْ
والثاني: أنه أصلي. وقال الفراء: سبح ربك، و سبح اسم ربك سواء في كلام العرب.
قوله تعالى: {الذي خلق فسوَّى} أي: فعدَّل الخلق. وقد أشرنا إلى هذا المعنى في [الإنفطار: 7] {والذي قَدّر} قرأ الكسائي وحده {قَدَر} بالتخفيف {فهدى} فيه سبعة أقوال.
أحدها: قدَّر الشقاوة والسعادة، وهدى للرشد والضلالة، قاله مجاهد.
والثاني: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها إليه، قاله عطاء.
والثالث: قَدَّر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج، قاله السدي.
والرابع: قَدَّرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر لإتيان الأنثى، قاله مقاتل.
والخامس: أن المعنى: قدَّر فهدى وأضل، فحذف وأضل، لأن في الكلام دليلاً على ذلك، حكاه الزجاج.
والسادس: قَدَّر الأرزاق، وهدى إلى طلبها.
والسابع: قَدَّر الذنوب، وهدى إلى التوبة، حكاهما الثعلبي.
قوله تعالى: {والذي أخرج المرعى} أي: أنبت العشب، وما ترعاه البهائم {فجعله} بعد الخضرة {غُثَاءً} قال الزجاج، أي: جفَّفه حتى جعله هشيماً جافاً كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل. وقد بينا هذا في سورة [المؤمنين: 41] فأما قوله تعالى: {أحوى} فقال الفراء: الأحوى: الذي قد اسود عن القِدَم، والعتق، ويكون أيضاً: أخرج المرعى أحوى: أسود من الخضرة، فجعله غثاءً كما قال تعالى: {مدهامتان} [الرحمن: 64].
قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} قال مقاتل: سنعلِّمك القرآن، ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبداً.
قوله تعالى: {إلا ما شاء الله} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: إلا ما شاء الله أن تنسى شيئاً، فإنما هو كقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إِلا ما شاء ربك} [هود: 107] فلا يشاء.
قوله تعالى: {إنه يعلم الجهر} من القول والفعل {وما يخفى} منهما {ونيسِّرك لليسرى} أي: نُسهِّل عليك عمل الخير {فذكِّر} أي: عظ أهل مكة {إن نفعت الذكرى} وفي {إن} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الشرطية، وفي معنى الكلام قولان،
أحدهما: إن قُبِلَتْ الذكرى، قاله يحيى ابن سلام.
والثاني: إن نفعت وإن لم تنفع، قاله علي بن أحمد النيسابوري.
والثاني: أنها بمعنى قد فتقديره: قد نفعت الذكرى، قاله مقاتل.
والثالث: أنها بمعنى ما فتقديره: فذكر ما نفعت الذكرى، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: {سيذكَّر} سيتعظ بالقرآن {من يخشى ويتجنبها} ويتجنب الذكرى {الأشقى الذي يصلى النار الكبرى} أي: العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا {ثم لا يموت فيها} فيستريح {ولا يحيى} حياة تنفعه. وقال ابن جرير: تصير نفس أحدهم في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا.


قوله تعالى: {قد أفلح} قال الزجاج: أي: صادف البقاء الدائم، والفوز {مَنْ تزكى} فيه خمسة أقوال.
أحدها: من تطهَّر من الشرك بالإيمان، قاله ابن عباس.
والثاني: من أعطى صدقة الفطر، قاله أبو سعيد الخدري، وعطاء، وقتادة.
والثالث: من كان عمله زاكياً، قاله الحسن، والربيع.
والرابع: أنها زكوات الأموال كلّها، قاله أبو الأحوص.
والخامس: تكثَّر بتقوى الله. ومعنى الزاكي: النامي الكثير، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وذكر اسم ربه} قد سبق بيانه [الأحزاب: 31].
وفي قوله تعالى: {فصلَّى} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: صلاة العيدين، قاله أبو سعيد الخدري.
والثالث: صلاة التطوع، قاله أبو الأحوص. والقول قول ابن عباس في الآيتين، فإن هذه السورة مكية بلا خلاف، ولم يكن بمكة زكاة، ولا عيد.
قوله تعالى: {بل تؤثرون الحياة الدنيا} قرأ أبو عمرو، وابن قتيبة، وزيد عن يعقوب {بل يؤثرون} بالياء، والباقون بالتاء، واختار الفراء والزجاج التاء، لأنها رويت عن أُبَيِّ بن كعب: {بل أنتم تؤثرون}. فإن أريد بذلك الكفار، فالمعنى: أنهم يؤثرون الدنيا على الآخرة، لأنهم لا يؤمنون بها. وإن أريد به المسلمون، فالمعنى: يؤثرون الاستكثار من الدنيا على الاستحسان من الثواب. قال ابن مسعود: إن الدنيا عجِّلت لنا، وإن الآخرة نُعِتَتْ لنا، وزويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل.
قوله تعالى: {والآخرة خير لك} يعني الجنة أفضل {وأبقى} أي: أدوم من الدنيا.
{إن هذا لفي الصحف الأولى} في المشار إليه أربعة أقوال.
أحدها: أنه قوله تعالى {والآخرة خير وأبقى} قاله قتادة.
والثاني: هذه السورة، قاله عكرمة، والسدي.
والثالث: أنه لم يرد أن معنى السورة في الصحف الأولى، ولا الألفاظ بعينها، وإنما أراد أن الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى، في الصحف الأولى، كما هو في القرآن، قاله ابن قتيبة.
والرابع: أنه من قوله تعالى: {قد أفلح من تزكى}، إلى قوله: {وأبقى} قاله ابن جرير.
ثم بين الصحف الأولى ما هي، فقال: {صحف إبراهيم وموسى} وقد فسرناها في [النجم: 36].